منهاج الأصول - ج ٥

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ٥

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٧

ملكت الدار لزيد فتكون معاني الجمل الخبرية يقصد الحكاية عما في الواقع ونفس الامر تحصل امور نفسانية يبرزها بألفاظها مثلا قولنا زيد قائم انما هو مبرز لمقصود المتكلم بالحكاية عن قيام زيد في الواقع وليس معناه وقع قيام زيد بداهة ان شأن الخبران يحتمل الصدق والكذب فلا كاشفية له عن الخارج فعليه لا محذور من كون الروايات في مقام كلا الحكمين الواقعي والظاهري وان كان احدهما في طول الآخر إذ يمكن تصور الماء وطهارته أولا ثم يتصور الشيء انه مشكوك ثانيا في هذه الجملة وأبرزهما بمبرز واحد بقوله الماء كله طاهر اذ لا يعقل أن تكون الالفاظ موجدة لمعانيها إذ المراد من وجود المعنى بوجوده الخارجي انما هو معلول لعلته التكوينية وليس اللفظ منها قطعا وإن كان المراد وجوده في عالم الاعتبار فهو لا يحتاج إلى وجود اللفظ أصلا فدعوى كون الانشاءات موجودة لمعانيها دعوا باطلة.

فالتحقيق في الجواب ان تقدم الاحكام الواقعية على الاحكام الظاهرية انما هو تقدم رتبي كتقدم الموضوع على الحكم فجعل الحكم الواقعي فى المرتبة السابقة وجعل الحكم الظاهري في المرتبة اللاحقة موجبا لعدم ايجادهما بانشاء واحد إذ لا يعقل أن يكون جعل واحد ينشأ الحكمين حيث ان الحكم الواقعي المترتب على موضوعه واقعي في المرتبة السابقة يستحيل أن يكون له سعة ويشمل مرتبة الشك لتأخرها عنه فليس له اطلاق للمرتبة المتأخرة كما أن الحكم الظاهري ليس فيه اطلاق يشمل المرتبة المتقدمة حيث انه مأخوذ في موضوعه الشك في الحكم الواقعي فليس فيه جهة شمول لكي يأخذ بالاطلاق من غير فرق بين أن يكون

__________________

الغاية قيدا للمحمول فتوجب ظهورا الرواية في الاستصحاب كما أن جعلها قيدا للنسبة يوجب ظهورها في القاعدة.

١٠١

الشك المأخوذ فيه من الجهة التقيدية أو من جهة التعليلية ولذا قلنا بعدم اجتماع الحكم الظاهري والواقعي لما عرفت من تقدم الواقعي على الظاهري بحسب المرتبة.

وبالجملة لا اطلاق في الحكم الواقعي بنحو يشمل مرتبة الشك فان اطلاقه إنما يتصور في الافراد المتحققة في مرتبته لا الافراد التي لم تكن في مرتبته كما أن الحكم الظاهري ليس له اطلاق بالنسبة إلى الافراد السابقة حيث أنه بالنسبة إليها لم يتحقق الجعل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان البقاء الحقيقي للشيء واستمراره في مرتبة ذاته بمعنى عدم تعدية منه إلى مرتبة الشك بنفسه فلو فرض أحيانا أن يحكم بالبقاء والاستمرار في مرتبة الشك فلا بد أن يكون بقاء ادعائيا راجعا إلى التعبد به ظاهرا في مقام ترتيب أثره بعد الفراغ عن أصل ثبوته.

ولذا قلنا أنه لا يمكن أن يكون الاستصحاب مجعولا بعين جعل مستصحبه بل لا بد أن يكون مجعولا بجعل مستقل بعد الفراغ عن وجود مستصحبه.

فلذا يكون من الممتنع أن يكون للمحكوم به طهارة أو حلية اطلاق يشمل الواقعي والظاهري بنحو يتحققان بجعل واحد وانشاء واحد حيث أنهما مجعولان طوليان بنحو يكون أحدهما موضوعا للآخر حيث ان جعل الحكم الواقعي لذات الموضوع في المرتبة السابقة على الشك بحيث لا يعقل تصور الشك فيه قبل تمامية جعلة وحينئذ لا مجال لتوهم استفادتهما من المغيا من جهة تعميم الشيء للعناوين الثانوية لمنع شمول الحكم الواقعي لما هو معنون بالعنوان الثانوي الذي هو مشكوك الحكم فبقاء موضوع الأحكام الواقعية الثابتة لموضوعاتها على واقعيتها من

١٠٢

جميع الحالات حتى في حال تلبسها بالعنوان الثانوي وان الطهارة الثابتة للشيء في جميع الحالات التي منها حال الشك فيها هي عين الطهارة الواقعية لا أنها طهارة ظاهرية إذ قوام ظاهرية الطهارة إنما هو بلحاظه في مقام الجعل في المرتبة المتأخرة عن الشك في الحكم الواقعي لا أنه بوصف ثبوته في حال الشك فعليه لا بد من حمل القضية في المقام على أحد أمرين :

أما الحكم الواقعي أو القاعدة والظاهر أن صدر الرواية يدل على كون المحمول حكما واقعيا ولكن الغاية المذكورة وهو العلم بالخلاف يهدم هذا الظهور ويوجب حصر مفادها منها في كونها حكما ظاهريا الذي هو مفاد الاستصحاب ولو بالتفكيك بين المغيا والغاية لارجاع الغاية إلى خصوصية المحمول الذي هو عبارة عن استمراره تعبدا من غير فرق بين جعل الغاية قيدا للموضوع أو جعلها قيدا للمحمول أو قيدا للنسبة الحكمية.

وان كان الظاهر كون الغاية قيدا للمحمول حيث أنك قد عرفت في المعنى الحرفي أنه من سنخ النسب والارتباط القائم بالمفهوم الاسمي وعليه تكون الغاية المؤداة بالى وحتى دالة على تخصيص المعنى بخصوصية مفهوم الاستمرار بنحو يرتفع الابهام مطلقا وليس دالا على مفهوم الاستمرار الذي هو معنى الاسمي ولازم جعل الغاية من قيود المحمول في قوله كل شيء طاهرا وحلال أن يكون المحكوم به من الطهارة والحلية أمرا واحدا حقيقة وان كان في مقام التحليل يكون متعددا بنحو يكون قابلا للتحليل إلى ذات وخصوصية وليس المحكوم به في مثل تلك القضية أمرين مستقلين أحدهما جعل أصل الطهارة للشيء والآخر جعل استمرارها وعليه ترجع الغاية إلى ذات المحمول لا إلى

١٠٣

استمراره وحينئذ تكون منطبقة على القاعدة لكون المفاد في مثل ذلك إلى تقيد المحكوم به بوجوده الخاص المحدود إلى زمان العلم بالخلاف مجعولا بجعل واحد يتعلق به استقلالا وبقيده وخصوصيته ضمنا فتكون مفاد الجملة كل شيء لك حلال أو طاهر حتى تعلم أن الشيء يثبت له الحلية والطهارة الظاهرية في كل آن إلى زمان العلم بالحرمة والقذارة وهو منطبق على القاعدة بعينها. وكيف كان فبيان الحديث الشريف في المقام يتوقف على بيان مقدمتين.

الأولى : قد تقدم في بيان المعنى الحرفي أنه عبارة عن ربط خاص قائم بين مدخوله وبين متعلقه على نحو كان ملحوظا تبعيا لا مستقلا وهذا المعنى يرجع من جهة عدم قابليته لأن يلحظ مستقلا فدائما لا بد وأن يكون من قيود الغير وخصوصياته فلو كان متعلقه من قبيل الموضوع في القضية كان المعنى الحرفي قيدا للموضوع كما اذا قيل الماء في الاناء مال زيد فيكون ما هو مفاد لفظه (في) تقييد الماء بكينونته في الاناء جزء الموضوع وان كان أصل القيد وهو الاناء خارجا عنه ولو كان متعلقه من قبيل المحمول في القضية كان قيد للمحمول كما اذا قيل زيد قائم في الدار إلى الزوال فما هو للمحمول في القضية هو القائم المقيد بكينونته في الدار باستمراره الى الزوال على وجه يكون القيد خارجا والتقيد بما هو معنى تبعي داخل ، ففيما نحن فيه إذا جعلنا (حتى) غاية للمحمول في القضية وهو طاهر لكان ما هو المحكوم به قضية كل شيء طاهر وهو الطهارة المقيدة بما هو مفاد (حتى) أعني الاستمرار الملحوظ التبعي إلى غاية معينة وهو العلم بالنسبة الحكمية المستفادة من هيئة القضية النسبية في كل شيء وأما نفس عنوان الطهارة مجردا عن تقيده ثبوتها للموضوع واستمرار الطهارة فارغا عن أصل ثبوت الطهارة فلا يستفاد من هذا

١٠٤

الانشاء بل مفاد الهيئة هو ثبوت النسبة الحكمية بين الموضوع والمحمول المقيدة بمفاد (حتى) على وجه يكون كل واحد من المحمول والتقييد طرفا للنسبة الحكمية في عرض واحد ضمنا.

فعلى هذا فلا يبقى مجال لما في كلام الشيخ (قده) من أنه لو جعلنا الغاية غاية للمحمول لكان مفاد القضية هو الحكم باستمرار الطهارة إلى زمان العلم بالقذارة بعد الفراغ عن ثبوت أصل الطهارة من الخارج فيكون منطبقا على الاستصحاب من هذه الجهة فإن المحمول في القضية الذي قد حكم بثبوته للموضوع بنفس هذا الانشاء وليس هو استمرار الطهارة فارغا عن ثبوتها فان الاستمرار المذكور هو عين مفاد (حتى) بالمعنى الحرفى التبعي غير القابل لأن يكون محكوما به مستقلا بل يكون قيدا لما هو المحمول ، فالمحمول هو نفس الطهارة المقيدة بمفاد (حتى) بما هو معنى نبعي حرفي فمفاد القضية هو الحكم بثبوت أصل الطهارة المقيدة بالاستمرار على أن يكون الاستمرار أيضا محكوما به تبعا وضمنا لما هو معنا حرفي وهذا معنا آخر لا ربط له بما أفاده الشيخ (قدس‌سره) بناء على كون الغاية غاية للمحمول كما لا يخفى.

الثانية : أن مفاد ارادة الغاية كلية مثل إلى وحتى وغيرها هو بقاء الشيء واستمرار المتعلق فحينئذ نقول لا إشكال في أن بقاء الشيء وان كان في الرتبة المتأخرة عن حدوثه لان عنوان البقاء منتزع عن الوجود في الرتبة بعد الحدوث

ولكنه لما لم يكن بين الحدوث والبقاء تخلل انعدام فليس إلا انتزاعات عن المورد بوجود واحد من دون تخلل حد بينهما بحيث لا يتخلل بينهما حتى بمثل الفاء في هذه الجهة بخلاف العلة والمعلول كما هو واضح فبقاء الشيء حقيقة في رتبته حدوثه من حيث الوجود وأن

١٠٥

كان بينهما تفاوت في جهة الانتزاع ولازم ذلك.

أن البقاء الذي نقول به في باب الاستصحاب لا يعقل أن يكون بقاء حقيقيا للحكم الواقعي لأن الغرض أن الحكم ببقاء ما ثبت في باب الاستصحاب موضوعه الشك في بقاء الحكم الواقعي والشك في بقاء الواقع المساوق للشك في أصل وجود الواقع متأخر عن أصل الواقع تأخر العارض عن المعروض فيكون الواقع متقدما على الشك بنفسه.

وقد أوضحنا سابقا ان الاحكام الواقعية لا يعقل أن تتعدى إلى مرتبة الشك بنفسها فلا يعقل أن يكون المراد من بقاء الواقع في باب الاستصحاب بقائه حقيقة بل لا بد وأن يكون المراد بقاؤه عنايته وادّعاءً وتعبدا بدعوى كون بقاء غير الواقع المماثل له بقاء بالعناية من باب التصرف في الأمر العقلي على ما يقوله السكاكي في باب المجاز والاستعارة.

وإذا ظهر لك ذلك فنقول قد عرفت أن مفاد قوله كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر بناء على كون الغاية غاية للمحمول هو الحكم بثبوت الطهارة إلى غاية العلم بالقذارة للشيء فمع قطع النظر عن التقييد بمعنى أن الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء بعنوانه الأولي واقعا كغيره من سائر الأدلة الاجتهادية التي كانت متكفلة بثبوت الاحكام على الموضوعات بعناوينها الأولية فحينئذ بقاء مثل هذا الحكم الواقعي لا يعقل أن يكون مغيّا بمثل العلم وعدمه بل بقائه الحقيقي يدور مدار عدم ما هو غاية الطهارة ووجودها من الانشاء الأخر غير العلم فاضافة مفاد حتى الداخل على العلم بالقذارة الى الطهارة المحكوم بثبوتها لكل شيء لا يعقل أن يكون لبيان بقاؤها واستمرارها حقيقة إلى حصول العلم بالقذارة لأن لازم ذلك هو الحكم ببقاء الطهارة الى مرتبة الشك بنفسها لكون

١٠٦

مفاد الغاية المذكورة هو الحكم بالبقاء في ظرف الشك بالواقع وقد عرفت استحالته أنفا فلا بد حينئذ من الالتزام بكون المراد هو افادة البقاء ادعاء أو عناية حتى يصح التقييد بمثل تلك الغاية :

وهذا ليس إلا مفاد الاستصحاب إذ الغرض كون المراد هو البقاء العنائي الادعائي للطهارة المحكوم بثبوتها لكل شيء ولازمه ثبوتها في رتبة قبل الشك بها فيكون الموضوع هو الشيء بعنوانه الأول والمراد من البقاء الادعائي هو الحكم بالبقاء في رتبة الشك بالواقع فيكون مرجعه إلى التعبد بالبقاء ظاهرا ولا نعني من الاستصحاب إلا ذلك فانه ليس لنا دليل على كون الاستصحاب هو الحكم باستمرار الشيء فارغا عن ثبوته مع قطع النظر عن هذا الانشاء على وجه يكون النظر في هذا الانشاء محض للحكم بالاستمرار.

نعم لو كان المراد من البقاء إلى زمان العلم المستفاد من كلمة حتى هو البقاء الحقيقي لما حكم به من الطهارة فلا يصح إلا بأن يكون المراد من الطهارة المحكوم بها هو الطهارة التعبدية الثابتة في ظرف الشك بحكم الشيء فيكون المراد من الشيء ما يشك في حكمه الواقعي وذلك من جهة أن المفروض جعل الغاية وما هو من كلمة حتى هو العلم وبقاء الشيء الى زمان العلم لا يتصور إلا جعل الحال حال الشك فاذا كان البقاء بقاء الشيء حقيقة في حال الشك فلا بد وأن يكون المحكوم به أيضا حال الشك فلا ينطبق على قاعدة الاستصحاب الذي قد عرفت أنه لا بد فيه الحكم بالبقاء الادعائي بل لا بد وأن ينطبق على قاعدة الطهارة أو كان أمرا ثالثا غيرهما وعلى كل حال فقد ظهر بما ذكر أنه جعل الغاية غاية للمحمول فلو كان المراد منها بقاء المحمول ادّعاءً فلا بد من انطباقه على الاستصحاب

١٠٧

ولو كان المقصود هو الحكم بثبوت أصل الطهارة المقيدة ولا يكون فيه النظر الى الحكم باستمرار الطهارة بعد الفراغ عن ثبوتها كان المراد منها البقاء الحقيقي فلا ينطبق على قاعدة الاستصحاب.

ولو كان النظر الانتقال الى الحكم باستمرار ما ثبت فليس الملاك في التطبيق على الاستصحاب كون المقصود هو الحكم باستمرار المحمول فارغا عن ثبوته كما عن الشيخ (قدس‌سره) هذا كله بناء على كون الغاية غاية للمحمول وهو ظاهر.

وأما لو جعلناها غاية للنسبة الحكمية وهو نفس الحكم بثبوت الطهارة لكل شيء فيتطرق فيه احتمالان : فانه أما أن يكون المراد من حتى بيان استمرار هذا الحكم بالنسبة إلى زمان العلم بالقذارة ادعاء وعناية.

وأما أن يكون بيان استمرارها حقيقة فعلى الثاني لا اشكال في انطباقه على القاعدة لكون المعنى أيضا هو الحكم بالطهارة في رتبة الشك بالواقع وإلا فلا يتصور البقاء الحقيقي في حال الشك وعلى الاول فلا بد من انطباقه على الاستصحاب باعتبار مفاد التقييد ب (حتى) غاية الامر كان مفادها هو التعبد ببقاء نفس النسبة الحكمية لا الطهارة التي كانت محموله في القضية كما أن لا تنقض اليقين قد ينطبق على استصحاب الحكمية وبذلك ظهر أيضا أنه بناء على كون الغاية غاية للحكم والنسبة الحكمية يتعين حملها على القاعدة بل المدار في الحمل على القاعدة أو الاستصحاب كون المراد من البقاء المستفاد من كلمة (حتى) هو البقاء والاستمرار الحقيقي أو الادعائي من غير فرق بين كونه قيدا للمحمول أو الحكم ويظهر مما ذكرنا الاشكال فيما ذكره الشيخ الانصاري مضافا إلى ذلك اشكال آخر وهو أنه قد صرح في بحث الواجب المشروط بأن

١٠٨

القيود ليست راجعة إلى الهيئة لكون مفادها معنا حرفيا غير قابل للتقيد وما يظهر من القضية رجوعها إلى ذلك إلا أنه لا بد من ارجاعها إلى نفس المادة.

فعليه لا معنى لتطرق الاحتمالين بالمقام بل لا بد من استظهار كون الغاية غاية للنسبة الحكمية التي هي مفاد الهيئة.

هذا بالنسبة إلى المغيا وأما بالنسبة إلى الغاية فالظاهر من البقاء المستفاد من كلمة (حتى) الغائية هو بقاء المعنى حقيقة لا ادّعاءً فعلية لا مجال لحمل الرواية على قاعدة الطهارة دون الاستصحاب اللهم إلا أن يقال بأن كان شمول هذه الرواية لاثبات الحكم بالطهارة بعناوينها الأولية وتكون دليلا اجتهاديا وبعناوينها الثانوية أي مشكوك الطهارة فتكون الرواية مفاد قاعدة الطهارة والاستصحاب بيان ذلك اما بأن يقال باطلاق لفظ الشيء وشموله للعناوين الأولية والثانوية.

وأما بأن يقال بأن الشيء ولو كان ظاهرا في العناوين الأولية ولكنه يمكن لنا فرض ذات عامة بنحو يشمل مشكوك الحكم في طهارته ومن جهة عدم القول بالفصل يتعدى الى غيره ولكن لا يخفى أما الوجه الأول فيرد عليه أنه يلزم أن يصح ان يقال على الشيء الواحد كزيد مثلا باعتبار طرو عناوين عديدة عليه ككونه زيد بن عمرو انه امامك وانه انسان وانه مشكوك الحكم مع انه بديهي البطلان حيث ان المراد هو الشيء هو العنوان الأولي.

ولهذا قالوا أن الشىء في كل شىء نجس ينجس كل شىء ينصرف إلى الاعيان النجسة ولا يشمل المتنجس مضافا إلى أنه لو سلم اطلاق الشىء وشموله لجميع العناوين.

ولكن لا يمكن التعدي الى العناوين الثانوية أعنى كونه مشكوك

١٠٩

الطهارة باعتبار عدم صلاحية المحمول المحكوم به كذلك وهو طاهر باعتبار كون الانشاء واحدا وانه في هذا الانشاء لو كان المراد انشاء الحكم بالطهارة على المشكوك فلا بد من اثبات الطهارة أولا للذات بانشاء آخر حتى يتحقق به موضوع الحكم في هذا الانشاء والغرض أنه نريد اثبات الطهارة للذات بهذا الانشاء أيضا وذلك محال.

وبذلك يندفع ما يتوهم من كون الشىء منطبقا على أشياء عديدة ولكنك قد عرفت فيما تقدم ان الذات في رتبة ما قبل الشك غيرها في رتبة ما بعده فكل واحد من الذاتين شيء غير الآخر ولو قلنا بكون الشك من القيود التعليلية مضافا الى عدم صلاحية هذا الانشاء للجهتين التي يكون أحدهما موضوع للآخر وبذلك يظهر اندفاع ما استفيد من الرواية من استفادة الحكم الواقعي والاستصحاب بناء على كونه غاية ادعائية.

واما الوجه الثاني فيشكل عليه أنه بناء على اختصاص الشىء بالعناوين الاولية فالفرد الملازم للشك في طهارته ليس الموضوع للحكم فيه إلا الذات المأخوذة في مرتبة قبل الشك وكان الشك فيه من قبيل الحجر في جنب الانسان فكيف يمكن التعدي إلى العنوان المشكوك بما هو هذا العنوان المأخوذ في مرتبة ما بعد الشك كما لا يخفى.

فلا مجال إلى ما ذهب اليه في الكفاية من تعميم الرواية للجهات الثلاث.

١١٠

(بيان مقدار دلالة الاخبار)

ثم انه يقع الكلام في أن أخبار الباب بعد تمامية الاستدلال بها هل تدل على حجية الاستصحاب مطلقا سواء كان المستصحب وجوديا أو عدميا خلافا لبعض المحققين حيث قال بالتفصيل بين الوجود والعدم فقال بعدمه في الثاني دون الاول.

وقد عرفت فيما تقدم بطلان ما ذكره من الوجه في هذا التفصيل وسواء كان المستصحب ثابتا بدليل العقل المعبر عنه استصحاب حال العقل أو بالاجماع المعبر عنه باستصحاب حال الاجماع أو بغيرها من الأدلة فقال بعدم حجيته في الاولين دون الثاني فقد عرفت فيما تقدم وجه هذا التفصيل والجواب عنه وسواء كان المستصحب من الموضوعات أو الاحكام خلافا لبعض حيث خص النزاع في أحدهما دون الآخر فقال بخروجه عن محل النزاع وسواء كان الشك في رافعية الموجود أو في وجود الرافع خلافا لبعض حيث خصص الحجية بالثاني دون الاول بتوهم ان الأول يكون من قبيل نقض اليقين باليقين لو شك في رافعيته فلا يكون من قبيل نقض اليقين في الشك ولكن لا يخفى أن الشك في رافعية الموجود يوجب الشك في بقاء متيقن فيكون من نقض اليقين بالشك أيضا وسواء كان الشك في البقاء من جهة الشك في المقتضي أو من جهة الشك في وجود الرافع خلافا للشيخ الانصاري قده حيث خصص حجية الاستصحاب بالشك في وجود لرافع تبعا للمحقق الخوانساري (قده) واستظهر ذلك من أخبار الباب وكيف كان فما يمكن الاستدلال له بوجهين :

١١١

أحدهما ان معنى النقض حقيقة هو رفع الهيئة الاتصالية من نقض الحيل ونحوه مما فيه جهة الاتصال والابرام وهذا المعنى لا يمكن ارادته في المقام فلازمه الانصراف عنه إلى غيره فحينئذ يدور أمره بين أن يراد منه رفع الامر الثابت الذى له مقتضى الثبوت والبقاء وبين مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لم يكن له مقتضى الثبوت أصلا ومع دورانه بين إرادة الامرين لا شك ان المعنى الاول أقرب إلى الحقيقة ضرورة ان ما كان مقتضى الثبوت أولى أن يستعمل فيه لفظ النقض في رفعه من استعماله في مطلق الرفع كما هو مقتضى العرف في متعلق النهي كما في مثل لا تضرب أحدا فانه بحسب العرف لفظ أحد ينصرف إلى الاحياء بقرينة ظهور الضرب في ذلك.

وثانيهما : أن النقض بين الشيئين عبارة عن المناقضة والمنافرة بينهما ومن المعلوم أن المناقضة بين اليقين والشك ليس إلّا اذا كان متعلقين بشيء واحد بالدقة العقلية فلو تعلق اليقين بحدوث شيء والشك في بقاءه ما كان بينهما منافاة ومناقضة لتعدد متعلقهما فالمناقضة بينهما انما تتحقق فيما اذا تعلق اليقين بالبقاء الذي تعلق به الشك غاية الامر من جهة عدم تعقل ذلك لا بد من أن يقال يكون اليقين تعلق بالبقاء الاستعدادي أعني حصل اليقين بحدوث ما له استعداد البقاء اقتضاء (١) والشك قد تعلق بفعلية ذلك البقاء من جهة الشك في

__________________

(١) لا يخفى أن تفصيل الشيخ بين الشك في المقتضي والشك في الرافع ربما يتخيل أن ذلك من جهة كون المراد باليقين في قوله (ع) ولا ينقض اليقين بالشك هو المتيقن لا صفة اليقين.

بيان ذلك أنه لو أردنا صفة اليقين فهو باق الى الابد فلا يرتفع بالشك في بقاء متعلقه فعليه لا معنى لاسناد النقض اليه وانما يصح

١١٢

الرافع فينحصر حينئذ في مورد الشك في الرافع دون المقتضي لعدم كون اليقين فيه متصفا بالبقاء الاستعدادي كما لا يخفى.

__________________

أن يستند الى المتيقن لعدم صحة اسناده الى الامر المبرم وما له دوام واستمرار فلا بد أن يسند الى المتيقن الذي له الدوام والاستمرار. كي يكون الشك في بقائه من جهة احتمال الرافع فيكون نقضا له ومما يؤيده ذلك أنه حيث لا يمكن ارادة النقض على وجهه الحقيقة فلا بد أن يكون المراد الاقرب اليه.

ولأجل ذلك أشكل المحقق الخراساني في كفايته حيث قال لا مانع من اسناد النقض الى اليقين بملاحظة نفسه لا بملاحظة متعلقه فانه يحسن اسناد النقض إليه. فان اليقين من قبيل البيعة والعهد ، ولا اشكال في حسن اسناد النقض إليهما وعليه يحسن اسناد النقض الى اليقين بملاحظة نفسه وإن كان متعلقا بما ليس فيه اقتضاء البقاء والاستمرار هذا ولكن لا يخفى أن تفصيل الشيخ (قده) في المقام غير مبني على اسناد النقض إلى اليقين بلحاظ المتيقن اذ دعوى أن تفصيل الشيخ يمكن توجيهه على ذلك بيان ذلك هو أن اليقين لما كان عبارة عن استحكام النفس في رأيها فيصح اسناد النقض إليه بملاحظة الاعتناء بالشك في الجري العملي فيكون المراد من النقض هو حل الأمر المستحكم كما في قوله تعال (كالتي نقضت غزلها من بعده قوة انكاثا) وعليه يكون رفع اليد عن اليقين بالشك في مقام العمل نقضا له فيصح اسناد النقض إلى اليقين بحسب طبعه فان طبعه له جهة استمرار ودوام لو لا جهة ما يعرض عليه من الانحلال كما في اليقين بكون النار حارة وأما مع عدم كون اليقين له دوام بحسب طبعة كاليقين باشتعال السراج فلا يصح اسناد النقض الى اليقين بحسب طبعه إذ ليس لليقين

١١٣

وبعبارة أخرى اذا كان متعلق اليقين مما له اقتضاء بالبقاء فنفس كونه مما له اقتضاء البقاء يوجب الاعتقاد بالبقاء الفعلي فيه لكون العقل يرى وجود المقتضى بالفتح عند وجود المقتضى بالكسر اذا شك

__________________

استحكام فلا يكون رفع اليد عنه نقضا لما هو المستحكم بغيره.

وهكذا بالنسبة إلى الاحكام الالهية فان اليقين بطهارة الماء مثلا له جهة دوام واستمرار بحسب ما يعرض عليه من العوارض الخارجية فرفع اليد عن ذلك في مقام الجري العملي باحتمال عروض النجاسة له يعد نقضا له بالشك وهذا بخلاف اليقين بثبوت خيار الفسخ في موارد الخيار غير المحدد بحد شرعي فاليقين بذلك يرتفع بنفسه بعد مضي زمان يتمكن ذو الخيار من الفسخ لاحتمال كون الخيار فيه فوريا فرفع اليد عنه في الجري العملي بعد مضي الزمان لاحتمال سقوطه لا يكون نقضا لليقين بالشك فمن هنا يعلم ان ما ذكره صاحب الكفاية اشكالا على على الشيخ في غير محله لما عرفت أن النقض متوجه الى اليقين كما انه لاوجه لما استشكل على الشيخ ان ذلك مبني استفادته من دليل الاستصحاب فينحصر في الروايات المستفاد منها نقض اليقين بالشك.

ولكن هناك روايات أخرى تدل على حجيته مطلقا كروايتي محمد ابن مسلم حيث حكم الامام (ع) فيهما بعدم وجوب غسل الثوب الذي استعاره الذمي معللا بقوله (ع) فانك قد اعرته وهو طاهر ولم يستيقن انه نجسة ورواية عبد الله بن سنان حيث حكم الامام (ع) فيها بقوله فان اليقين لا يرفع بالشك ولكن لا يخفى ان مفاد الروايتين مفاد قوله (ع) المضي على اليقين هو عبارة عن عدم نقضه وهو معنى قوله (ع) اليقين لا يدفع بالشك فيكون رفع اليقين بالشك عبارة اخرى عن نقضه. نعم يرد على التفصيل المذكور بوجهين :

١١٤

في البقاء بعد ذلك يصير متعلق اليقين والشك واحد بالدقة فيصدق نقض

__________________

الأول : أنه عدم بقاء مورد للاستصحاب في مورد الأحكام اذ جلها لو لم تكن كلها من قبيل الشك في المقتضي لكون الشك في بقاء الحكم لاجل التزاحم وذلك من قبيل الشك في المقتضي.

الثاني : ان معنى للاستصحاب على ما ذكر يرجع الى ان حقيقة الاستصحاب تنزيل المشكوك منزلة المتيقن من حيث الجري العملي لا تنزيل الشك منزلة اليقين إذ اليقين الوجداني قد زال فلا معنى لابقاء المستصحب ولا يقين تعبدي في البين لعدم كون التنزيل بين الشك واليقين وانما وقع الشك بين المشكوك والمتيقن ولازم ذلك عدم قيام الاستصحاب مقام القطع الذي أخذ في الموضوع على نحو الطريقية.

اذ لازم ذلك ان يكون النقض واردا على اليقين بنحو الصفتية فعليه ينزل الشك منزلة اليقين فيكون الاستصحاب يقينا تعبديا من حيث الجري العملي.

ولكن لا يخفى أن الوجه الثاني واضح البطلان حيث ان اليقين لم يؤخذ بنحو الصفتية وانما أخذ بنحو الطريقية فيكون المراد من (لا تنقض اليقين بالشك) تنزيل الشك منزلة اليقين لا المشكوك منزلة المتيقن كما توهم إلّا ان التنزيل ليس باعتبار آثار نفس اليقين بما هو صفة خاصة وانما هو بنحو الطريقية والمرآتية للمتيقن وبذلك يقوم الاستصحاب مقام القطع ويكون حاكما على الاصول غير التنزيلية.

وأما عن الاول فيتم لو كان المراد من الشك في المقتضي هو ملاكات الاحكام أو موضوعات للحكم الشرعي وأما على ما ذكرنا سابقا بأن المراد من المقتضي ما يكون له استعداد بقاء الشيء في عمود الزمان

١١٥

اليقين بالشك والجواب عنه بما عن الثاني فبأنه يتم هذا المقال الذي تعلق به الشك واليقين بناء على كون الملاك في وحدة الموضوع

__________________

لو خلي وطبعة أي لو لم يجد حادث زماني يوجب زواله وانعدامه من غير فرق بين الأحكام الوضعية أو التكليفية هذا كله وفاقا الى ما ذهب اليه الشيخ الانصارى (قده) وتبعه الاستاذ المحقق النائيني (قده) ولكن يرد عليه ان لازم التفصيل المذكور عدم جريان الاستصحاب في موارد الشك في حصول الغاية من جهة الشبهة الموضوعية لرجوع الشك فيه إلى الشك في المقتضي اذ منشأ الشك في مقدار القابلية كما إذا شك في طلوع الشمس فانه يرجع إلى الشك في مقدار القابلية حيث لا يعلم أن وقت الاداء هل هو ساعة ونصف أو اكثر وكما لو شك في أنه آخر شهر رمضان أو أول شوال فانه يرجع إلى الشك في مقدار القابلية حيث أنه لا يعلم ان مقدار الشهر ثلاثون يوما أو اقل واذا رجع إلى ذلك ينبغي أن لا يجري فيه الاستصحاب مع أن الشيخ (قده) لا يلتزم به على أنه مناف لمكاتبة القاساني (اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية) فانه كما ترى من موارد الشك من جهة الموضوعية كما أنه يرد عليه عدم جريان الاستصحاب لو قلنا بالتفصيل في موارد الشك في النسخ اذ منشأ الشك فيه يرجع الى كيفية جعل الحكم حيث لا يعلم أنه موسع أو مختص بزمان خاص مثلا لو شك في وجوب صلاة الجمعة هل هو مختص بزمان الحضور أو يعم غيره فمرجع الشك فيه إلى الشك في أصل قابلية الحكم مع انه (قده) لا يلتزم بذلك ولا غيره كما أنه يرد عليه عدم جريان الاستصحاب لو قلنا بالتفصيل في الموضوعات الخارجية حيث نعلم بعدم استعداد البقاء إلى الابد ولا يمكن احراز مقدار استعدادها للبقاء لكونها لا ضابط لها في البقاء لاختلاف أنواع

١١٦

الذي تعلق به الشك واليقين هو الدقة العقلية وأما بناء على الوحدة

__________________

الحيوانات فان بعضها يعيش إلى مائة سنة كالفيل وبعضها أياما قليلة كالبق بل يختلف نوع واحد بالبقاء كالانسان مثلا مع أن الشيخ (قده) لا يلتزم بذلك والتحقيق هو أن صدق نقض اليقين بالشك ان كان بالنظر الدقي فلا مجرى للاستصحاب أصلا اذ لا مورد من الموارد يتحقق فيه اليقين إذ كل مورد اليقين غير موجود في حال الشك من غير فرق بين موارد الشك من الشك في المقتضي أو في الرافع وان كان الملاك في صدق النقض صدقه بالنظر العرفى المسامحى فلا يختص صحة جريانه في الشك في الرافع بل يعم موارد الشك في المقتضي.

وأما دعوى أن تعذر الحقيقة يوجب الحمل على أقرب المجازات فيقتضي حمل النقض في المقام على وجود المقتضي فهو محل منع إذ المراد من الاقرب الذي يجب حمل النقض عليه هو الاقرب عرفا لا الاقرب عقلا إذ المعنيان المذكوران ليس أحدهما أقرب من الآخر عرفا ومع تساويهما لا بد من الحمل على الجامع بينهما للزوم ترجيح أحدهما على الآخر بلا مرجح وهو باطل.

وحاصل الكلام ان الاحتمالات المتصورة في المقام لا يمكن الاخذ بها اذ هي عند التأمل نعلم بعدم حمل النقض عليه ولم يتوهم أحد احتمالها منه.

نعم ربما يقال بأن المراد نقض اليقين عملا بمعنى جعل أحكام اليقين في الشك بحسب الظاهر فانه وان كان معقولا كما لو كان اليقين موضوعا لحكم شرعي أو جزءا للموضوع إلا انه خلاف مورد الرواية حيث ان جواز الصلاة ونحوه ليس من أحكام اليقين وبعد معرفة ذلك يدور الامر بين نقض المتيقن عملا بجعل أحكامه حال الشك في

١١٧

العرفية كما هو التحقيق على ما سيجىء فيكون متعلق الشك هو متعلق اليقين ولو كانا مختلفين بحسب المرتبة كما لا يخفى.

وأما عن الاول فلئن النقض حقيقة نقيض الابرام ومقابله

__________________

وجوده وارادة وجوب العمل مع الشك العمل على اليقين أو ارادة نقض المتيقن بأن يكون اليقين في قوله لا نقض اليقين بالشك هو كونه ملحوظا في نفسه استقلالا لا طريقيا.

ودعوى ظهور مثل قضية لا تنقض اليقين هو المرآتية والنظر الآلي حيث تكون ظاهرة عرفا في انها كناية عن لزوم البناء والعمل بالتزام حكم مماثل للمتيقن تعبدا كما ذكره المحقق الخراساني محل نظر إذ كيف يكون اليقين في الرواية ملحوظا آلة للمتيقن طريقا إليه مع أن اليقين الذي يكون كذلك هو اليقين الخارجي الذي هو مصداق مفهوم اليقين لا نفس المفهوم بل خلاف ما يظهر من الرواية فانها في مقام التنبيه على أمر ارتكازي الذي هو عدم رفع اليد عن اليقين نفسه بل خلاف ما يظهر من الصغرى في الرواية في قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه فان الظاهر منها ملاحظة اليقين مستقلا وليس المراد (أنه على وضوء) لما عرفت من أن المصحح لاستعمال النقض هو نقض اليقين نفسه بما هو طريق ومرآة إلى المتيقن إلا أن يقال بأن المرآتية والطريقية للمتيقن بجعله مستحكما مع أنه محل نظر إذ هو خلاف ظاهر نسبة النقض إلى نفس اليقين فان ظاهرة كونه على نحو الاستقلال مع أنه لا ينافي حمله على كون المراد باليقين ملحوظا مستقلا وذلك عبارة عن أن يكون المراد نفس اليقين ويكون المراد من نقضه هو حرمة رفع اليد عنه في حال الشك ويكون العمل في حال الشك هو عمله حال اليقين من غير فرق بين كون العمل والاثر الشرعي يستند إلى نفس اليقين كما لو كان

١١٨

كما صرح هو به وصرح به في القاموس أيضا ومن هذا الباب قوله تعالى كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا واستعماله في مورد الغزل يتصور على وجوه ثلاث :

الأول باعتبار كونه ضد الابرام بمعنى كونه عبارة عن الهيئة الاتصالية الحادثة من التفاف أجزاء القطن بعضها ببعض الذي هو حادث بحدوث الغزل من غير مدخلية لبقائها بعد حدوثها.

الثاني باعتبار كونه ضد الاستحكام الحاصل من التفاف بعض الاجزاء بالبعض أيضا الذي هو حادث بحدوث الغزل أيضا.

الثالث باعتبار نقض الهيئة الاتصالية الاعتبارية الانتزاعية من بقاء الغزل ولا اشكال في أن المصحح لاستعمال النقض فيه ليس هي الجهة الاخيرة لعدم اختصاص ذلك بباب الغزل بل كل موجود إذا استمر وجوده ينتزع من بقاء الهيئة الاتصالية من بدء حدوثه إلى آخر زمان بقائه وإن كان التحقيق بناء على الحركة الجوهرية يقتضي أن يكون في كل أن موجود بوجود مستقل ببداهة أنه لا يصح أن يقال نقض الحجر اذا رفعته من مكانه وكذلك في أشباهه فظهر ان المصحح استعماله لا بد وأن يكون أحد المعنيين الاوليين.

أما اعتبار الهيئة الاتصالية الحاصلة من التفاف بعض الاجزاء بالبعض المساوق لتحقيق جهة وحدة فيها باعتبار ارتباط بعضها ببعض وأما اعتبار جهة وحدة فيها باعتبار ارتباط ببعض.

__________________

تمام الموضوع أو جزئه أو يكون الاثر الشرعي للمتيقن كما هو كذلك في مورد الرواية وبهذا المعنى صح أن يقال بحكومة الاستصحاب على سائر الاصول وعليه لا يفرق في حجية الاستصحاب بين الشك في المقتضي والشك في الرافع كما لا يخفى.

١١٩

وأما اعتبار جهة الاتصال الحاصلي من شدة الارتباط بين الاجزاء ثم بعد ذلك فيتعدى إلى موارد استعماله الغائي أيضا لا بد وأن يكون مصحح استعماله تلك الغاية وإلا فلا كما هو في نقض العهد ونقض سببه حيث أن العهد بمدلوله اللفظى دال على الاستحكام بمعنى الالتزام الحاصل للنفس بالنسبة للعهود من جهة شدة الارتباط بينهما يرى أن لهذا الالتزام جهة الاستحكام وليس كذلك في الوعد الذي هو أيضا من سنخ العهد ولذا لا يقال فيه نقض الوعد بل يقال اخلفه بخلاف النية والارادة بمدلولها اللفظي دال على جهة استحكام ولو بالعناية والادعاء بالبناء على الحركة على طبيعتها مع أنه لا يطلق النقض على دفع مطلق الارادة.

وكذا يصح اطلاق النقض على رفع اليد عن الفرض باعتبار جهة الاستحكام الادعائي يرى بينه وبين ذهنيه الحاصل من جهة شدة الارتباط بينهما.

وكذلك يصح النقض على رفع اليد عن مثل الصوم والصلاة وغيرهما مما لها جهة ارتباط بين أجزائها على نحو يرى لها جهة استحكام.

ومن تلك الموارد اطلاقه على رفع اليقين بعروض الشك فان الوجه فيه ان فيه جهة استحكام بنحو يرى فيه اليقين من جهة شدة ارتباطه بمتعلقه على وجه لا يزول بتشكيك مشكك لانه مرتبة من العلم لا يزول بأدنى مشكك بخلاف مطلق القطع والعلم فانه ليس بهذه المرتبة من الاستحكام فلا يصح اطلاق النقض على رفعهما وبناء على ذلك فلا فرق في صحة استعمال النقض على رفع اليقين بالشك بين أن يكون من جهة الشك في الرافع أو المقتضي فان قلت اليقين بهذا المعنى غير مراد في الاستصحاب للقطع بأنه مجرد حصول القطع بالحدوث ولو

١٢٠